المذاهب الفقهية الأربعة
أولا : تعريف علم الفقه
يعد علم الفقه
من العلوم الأساسية التي تبحث بجميع أحكام الإسلام الإعتقادية : كوجوب
الإيمان بالله تعالى ، و الأحكام الوحدانية : كالالتزام بالأخلاق الفاضلة
من صدق و أمانة ، و الأحكام العملية : كالصلاة و الصيام و البيع و الزواج .
يلاحظ
مما سبق أن علم الفقه يبحث بالقضايا التي تتعلق بأفعال الناس من صلاة و
صيام و بيع و غيرها ، من حيث البحث عن حكم شرعي لها ، و هذا شامل لجميع
أنشطة الفرد و الجماعة ، مثل العبادات و المعاملات المالية التي تنشأ بين
أفراد المجتمع و العلاقات الاجتماعية التي تنظم المجتمع ، و المعاملات
الاجتماعية التي تنظم المجتمع ، و العلاقات السياسية التي تحدد علاقة
الأفراد بالدولة .
ثانيا : أهمية علم الفقه
إن دراسة علم الفقه يحقق لنا و للمجتمع الذي نعيش فيه و للعالم بأكمله فوائد جمة منها :
- نيل رضا الله تعالى
- تنظيم حياة الأفراد و الجماعات
- حل المشكلات الإنسانية
- معالجة القضايا المستجدة
- تأكيد صلاحية الإسلام لكل زمان و مكان
ثالثا : نشأة علم الفقه
بدأ
علم الفقه في عهد النبي – صلى الله عليه و سلم – فقد أنزل الله سبحانه و
تعالى القرآن الكريم على نبيه ، متضمنا الكثير من الأحكام العملية التي
يحتاجها الفرد المسلم ، فقد تناولت آيات الأحكام كثيرا من الأمور من أبرزها
: الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد في سبيل الله و الزواج و
الطلاق و الميراث و غيرها من القضايا .
و الناظر لكتاب الله سبحانه و
تعالى يجد أنها اشتملت على القضايا الكلية دون أن تدخل في عملية التفصيل
غالبا ، و لهذا جاء دور النبي – صلى الله عليه و سلم – في عملية تفصيل ما
يحتاج إلى تفصيل ، و يبين ما يحتاج إلى بيان ، و قد يأتي بأحكام لم تذكر في
القرآن الكريم ، فقد أعطى الله سبحانه و تعالى هذا الحق لنبيه محمد – صلى
الله عليه و سلم – و ذلك بقوله تعالى : ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس
ما نزل إليهم و لعلهم يتفكرون ) ، و على هذا الأساس بقي الوحي الإلهي سواء
أكان قرآنا أم سنة نبوية فهو المرجع الأساس للفقه الإسلامي و لاجتهادات
الصحابة رضوان الله عليهم دور كبير في الفقه الإسلامي ، فحينما كانت تعرض
عليهم قضية و يحتاجون إلى حكم شرعي يرجعون للقرآن الكريم و السنة النبوية
لبيان حكمها في دين الله تعالى .
رابعا : المنهج الفقهي في استنباط الأحكام
بعد
وفاة النبي – صلى الله عليه و سلم – و مجيء عهد الصحابة رضوان الله عليهم و
نتيجة اتساع رقعة الدولة الإسلامية و ظهور الوقائع الجديدة التي تحتاج إلى
أحكام شرعية ، فقد كان منهج الصحابة رضوان الله عليهم في استنباط الأحكام
الشرعية يتمثل بما يلي :
1- الرجوع إلى كتاب الله تعالى و سنة الرسول – صلى الله عليه و سلم – فإن وجدوا فيها حكما للواقعة عملوا بمقتضاه .
2-
الاجتهاد و استنباط الحكم الشرعي ، و يشترط بذلك أن يتفق العلماء على رأي
واحد و ذلك بالإجماع و إن اختلفوا بقي كل صاحب رأي على رأيه حتى يظهر دليل
من الكتاب و السنة ، فإن وجد ذلك الدليل لابد للرجوع إليه و التسلم به ، و
إذا لم يظهر دليل يستدعي الرجوع عن الرأي ، بقي الاختلاف الفقهي بين
الصحابة ، و لم يكن ذلك يؤثر في محبتهم و مودتهم لبعضهم بعض ، و ذلك لأن
الاختلاف لا يفسد للود قضية كما لا يفسد الاحترام المتبادل فيما بينهم .
خامسا : أسباب ظهور المذاهب الفقهية
لم
يكن الاختلاف الفقهي بين المسلمين اختلافا في الأصول و إنما كان الاختلاف
في فهم النصوص الشرعية و في طريقة استنباطها ، و يعود ذلك الاختلاف إلى
الأسباب التالية :
1- عدم وصول الحديث إلى المجتهد
لم تكن أحاديث
النبي – صلى الله عليه و سلم – في أول الأمر مكتوبة في كتب يسهل الرجوع
إليها ، بل كانت محفوظة في صدور الصحابة و التابعين ، فإذا بلغ الحديث
النبوي أحد المجتهدين قضى به ، أما إذا لم يبلغه قضى باجتهاده معتمدا على
الكتاب و السنة .
2- الاختلاف في تصحيح الأحاديث لدى المجتهدين
قد
يصل الحديث إلى المجتهدين ، إلا أن منهم من يصح عنده فيعمل بمقتضاه و منهم
من لم يصح عنده لجهالة الرواة أو لتشدده بالرأي فلا يعمل به .
3- الاختلاف في فهم النصوص الشرعية و تفسرها
قد تكون بعض الألفاظ في نصوص القرآن الكريم أو السنة النبوية مشتركا بين معنيين ، فيأخذ مجتهد بمعنى و يأخذ الآخر بمعنى آخر .
4- الاختلاف في نوع الأدلة الاجتهادية و طرق الاستنباط
اعتمد
بعض المجتهدين في استنباط الأحكام الشرعية على أدلة لم يعتمدها آخرون ،
مثل : عمل أهل المدينة فهي دليل عند الإمام مالك إذ عمل به و جعله مصدر من
مصادر التشريع و ليس بحجة عند غيره فلم يعملوا به و كذلك القياس فهو حجة
عند جمهور من الفقهاء فعملوا به و ليس بحجة عند الظاهرية فلم يعملوا به .
سادسا : المذاهب الفقهية
تقسم
المذاهب الفقهية حسب اختلافهم في فهم النصوص الشرعية و استنباط الأحكام ،
مما ترتب عليه ظهور مدارس فقهية مختلفة عن بعضها ، و أهم هذه المدارس ما
يلي :
1- المذهب الحنفي
1- 1 مؤسس المذهب
ينسب المذهب الحنفي إلى
الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، و قد ولد أبو حنيفة في مدينة الكوفة
بالعراق سنة ( 80 هـ ) و نشأ فيها ، عمل الإمام أبو حنيفة بتجارة الحرير و
استطاع أن يوافق بين العلم و العمل حتى بلغ في العلم منزلة عظيمة لم يصل
إليها أحد من أقرانه .
فقد كان يتصف رحمه الله بكثرة الاجتهاد في
العبادة ، و كان شديد البر لوالديه و أساتذته ، توفي أبو حنيفة رحمه الله
سنة ( 150 هـ ) في مدينة بغداد و دفن بضاحية من ضواحيها تعرف اليوم
بالأعظمية .
1- 2 أصول مذهبه
كان رحمه الله يعتمد على القرآن الكريم و
السنة النبوية في استنباط الأحكام الشرعية بالإضافة إلى الإجماع و أقوال
الصحابة و القياس و الاستحسان ، إلا أنه أضاف على قبول الحديث و اعتباره
دليل في الحكم الشرعي أن يتوفر فيه عنصرين هما :
* أن يكون الحديث مشهورا .
* أن لا يعمل راوي الحديث بخلاف ما يرويه .
1- 3 أبرز تلاميذه
* أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ( 113 هـ ، 182 هـ ) .
* محمد بن الحسن الشيباني ( 122 هـ ، 189 هـ ) .
* زفر بن هذيل ( 110 هـ ، 189 هـ ) .
1- 4 كتب المذهب الحنفي
* المبسوط ، للإمام السرخسي
* الهداية شرح بداية المبتدى ، لعلي المرغيناني
* تبين الحقائق شرح كنز الدقائق ، لعثمان بن علي الزيعلي
2- المذهب المالكي
2- 1 مؤسس المذهب
ينسب
المذهب المالكي إلى الإمام مالك بن أنس الذي ولد بالمدينة المنورة سنة (
93 هـ ) و عاش حياته فيها و لم يفارقها إلا للحج ، و كان رحمه الله شغوفا
بطلب العلم حريصا عليها ، و كان شديد الاحترام و التعظيم للعلم ، و كان
رحمه الله على درجة عالية من التقوى ، توفي سنة ( 179 هـ ) بالمدينة
المنورة و دفن بها .
2– 2 أصول مذهبه
يعتمد المذهب المالكي في
الاستنباط الفقهي على الأصول نفسها التي اعتمدها الإمام أبو حنيفة إلا أن
مذهب الإمام مالك اختص بعدة أمور من أبرزها :
* اشترط لقبول الحديث أم يكون موفقا لعمل أهل المدينة لقرب عهدهم من الرسول صلى الله عليه و سلم .
* توسع الإمام مالك في العمل بالمصالح المرسلة .
* توسع الإمام مالك في العمل بمبدأ سد الذرائع .
2- 3 أبرز تلاميذه
* أبو عبدالله عبدالرحمن بن القاسم ( 128 هـ ، 191 هـ )
* عبدالسلام بن سعيد التنوخي ( توفي سنة 240 هـ )
* أبو عبدالله بن وهب المصري ( 125 هـ ، 197 هـ )
2- 4 كتب المذهب المالكي
* المدونة الكبرى
* الموطأ
* الرسالة في الفقه ، لأبي زيد القيرواني
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، لمحمد بن عرفة الدسوقي
* بداية المجتهد ، لابن رشد
3- المذهب الشافعي
3- 1 مؤسس المذهب
ينسب
المذهب الشافعي إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع
القرشي ، ولد في مدينة غزة سنة ( 150 هـ ) و كان رحمه الله يحفظ القرآن
الكريم و هو صغير السن و استفاد أيضا من علوم الفصاحة و الآداب و الشعر ، و
رحل إلى المدينة المنورة فتلقى الفقه و الحديث على يد الإمام مالك بن أنس ،
و كان كثير الترحال و السفر لطلب العلم ، و توفي بعد ذلك في مصر و دفن بها
سنة ( 204 هـ ) .
3- 2 أصول مذهبه
يتفق الإمام الشافعي في أصول أدلة
الأحكام مع المذاهب الأخرى في اعتماد الكتاب و السنة و الإجماع و القياس
أصولا لاستنباط الأحكام الشرعية ، و ما يميز مذهب الإمام الشافعي عن غيره
من المذاهب ما يلي :
* أنه يقف عند ظواهر النصوص الشرعية من القرآن الكريم و السنة النبوية حتى يقوم دليل آخر على أن المراد غير ظاهر النص .
* يأخذ بأحاديث الآحاد إذا كان راوية الحديث ثقة ضابط أما إذا متصلا برسول الله صلى الله عليه و سلم .
* يأخذ الشافعي بأقوال الصحابة في الأحكام إذا لم يعلم له مخالف .
* لم يأخذ بالاستحسان بحجة أن لا ضابط له .
3- 3 أبرز تلاميذه
* يوسف بن يحيى البويطي
* اسماعيل بن يحيى المزني المصري
* الربيع بن سليمان المرادي
3- 4 كتب المذهب الشافعي
* المهذب ، لأبي إسحق السيرازي
* مغني المحتاج ، للخطيب الشربيني
4- المذهب الحنبلي
4- 1 مؤسس المذهب
ينسب
المذهب الحنبلي إلى الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ، ولد الإمام أحمد ببغداد
سنة ( 164 هـ ) و كان رحمه الله يتمتع بقوة الفهم و الإدراك و الحفظ حتى
أنه حفظ عددا كبيرا من أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم ، و كان كثير
التصديق بالمال على الفقراء و المحتاجين ، توفي رحمه الله ببغداد سنة ( 241
هـ ) .
4- 2 أصول مذهبه
يتفق المذهب الحنبلي في أصول أدلة الأحكام
الشرعية مع بقية المذاهب فهو يعتمد على القرآن الكريم و السنة النبوية و
الإجماع و القياس و يضيف الاستحسان و المصالح المرسلة و سد الذرائع و لكنه
يقدم الأحاديث على أقوال الصحابة على الاجتهاد من قياس و استحسان و مصالح
مرسلة ، و لو كان الحديث ينتابه بعض الضعف بشرط أن لا يكون الضعف شديدا
يغلب على الظن أنه ليس حديث النبي صلى الله عليه و سلم .
4- 3 أبرز تلاميذه
* ابناه صالح و عبدالله
* أبو يعقوب إسحق التيمي
* أبو بكر أحمد بن محمد الأثر البغدادي
4- 4 كتب المذهب الحنبلي
* المغني ، لابن قدامة المقدسي
* شرح المنتهى الإرادات ، لمنصور بن يونس البهوتي