قال الشيخ أمان الجامي رحمه الله في تعريفه بالشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب ما نصه:
ولد هذا العالم في بلدة العينية في نجد سنة 1115 هـ
نشأته
: نشأ في حجر والده ، وكان والده القاضي في البلد وعالم مدرس على
الطريقة القديمة في البيوت نشأ هذا الشاب نشأة عجيبة حيث حفظ القرآن قبل
العاشرة من عمرة وبلغ الاحتلام قبل الثانية عشر من عمره ويأتي والده أنه
في هذه السنة رأى أنه أهل بأن يصلي بالناس فقدمه لكي يصلي بالناس وهو أبن
الثانية عشر من العمر وفي هذه السنة زوجه ،وعكف الشاب مع دراسته على
والده عكف على كتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم واستفاد لأن
الله أعطاه من الذكاء ما وصفه المترجمون له بطريقة غربية وفذه قوي
الحافظة ذكي فطن عكف في طفولته على هذه الكتب مع ما يدرس على والده في
الفقه على مذهب الإمام احمد ثم تاقت نفسه ليرحل في طلب العلم لأنه استفاد
من هذه الكتب ورأى أن البيئة التي يعيش فيها بيئة جاهلية صرفه ، إذ كانت
الناس تعبد النخل ويعبدون القبور ويعبدون الجن ، جاهلية جهلاء كالتي كانت
قبل الإسلام مع الانتساب إلى الإسلام مع وجود العلماء بينهم استنكرت
نفسية هذا الشاب هذه الجاهلية لكنه كتمها في نفسه ولم يتكلم لأنه في نظر
الناس طفل لا يستحق الإنكار والقيام بالإصلاح بين الناس .
أراد
أن يرحل في طلب العلم كأن الله يريد أن يطلعه على كثير من البلدان
المجاورة ليرى إن الجاهلية عمت وليست في بلده فقط خرج حاجاً فحج ثم جاء إلى
المدينة ومكث في المدينة لطلب العلم وقيض الله له بعض علماء الحديث
كالشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف آل السيف وأحبه هذا الشيخ كثيراً لما
فيه من الذكاء ولما فيه من الاهتمام بشؤون المسلمين والإصلاح وإعداد نفسه
للإصلاح وقدمه لبعض المدرسين في المسجد النبوي كالشيخ محمد حياة السندي
والشيخ العجولي والشيخ الإحسائي وركز الشيخ على علوم الحديث درس الكتب
الصحاح ودرس كتب الإمام الشافعي ودرس كثيراً وكان في نفسه بعض التضايق
عندما يرى ما يفعله بعض الناس عند السلام على النبي r
عند قبره وكثيراً ما يقول للمشايخ أيش هذا يا شيخ ، ويقولون هذه بعض
الجاهليات ، صبر وتعلم وملك نفسه ، وذات مرة ذهب إلى القبر ليسلم ورأى تعلق
الناس بالقبر وتمسحهم وكان عند الشيخ محمد حياة السندي فرجع إليه فقال
ما هذا يا شيخ ما هؤلاء ؟ ، قال : إن هؤلاء متبرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما
كانوا يعملون ، هكذا رد الشيخ فوراً وأدرك الشاب أن العمل مستنكر حتى عند
المشايخ ولكنهم عاجزون لا يستطيعون يعملون شيئاً هكذا قضى برهةً من الزمن
في هذه المدينة فأخذ الإجازة في الكتب التي أخذها عن الشيوخ ثم توجه إلى
العراق إلى البصرة ولكنه عرج على بلده في طريقه ثم واصل سيره لأنه سمع
بشيخ عالم محدث نحوي المجموعي في البصرة ، فرحل إليه ودرس عنده كثيراً
واستفاد منه في علوم العربية وعلم الحديث وهنا رأى الشاب أنه نضج وأنه لا
بد أن يبدأ في الدعوة والإصلاح وأن لم يبلغ مبلغ كبار العلماء لأنه يرى
نفسه طالب ولكنه طالب مهيأ وعنده ركيزة طيبة من العلم بدأ يتصل بزملائه
وبعض الشيوخ وبعض من تعّرف عليهم ويكتب إليهم الرسائل وينكر عبادة القبور
وينكر كثيراً من المنكرات البارزة حتى عرف بالبصرة على كونه طالب علم أنه
يحاول الإصلاح وتأثر به شيخه المجموعي لأنه كان يحبه الشيخ ، وكثيراً ما
يتأثر الشيخ بالتلميذ إذا كان التلميذ نابغة ورأى أنه ربما خير منه ،
وهذا معروفٌ من قبل وهذا كما ثبت عن الإمام الشافعي أنه كان يقول للإمام
أحمد : أنتم أعلم منا بعلم الحديث فإذا علمتم شيئاً أو بلغكم شيئاً من
الحديث فأبلغونا ، في هذا الوقت كان الإمام احمد تلميذاً عند الشافعي ،
وهكذا تأثر المجموعي بأبن عبد الوهاب ، وأخيراً قامت قائمة الجاهلية بين
المتصوفة وأُمر بإخراجه فأخرج من البصرة إلى الزبير وفي الطريق لاقى
صعوبة حتى كاد يهلك من الظمأ لأنه يمشي على رجليه في الظهيرة ، ولكن الله
قيض له من يحمله على حماره معه إلى البلد فسلم ولم يهلك فدرس في الإحساء
على شيخ شافعي ثم رجع إلى الشام وتجول في بلاد الشام ، ولكن المصادر لم
تذكر شيوخه في الشام إلا أن زيارته للحجاز والعراق والشام والمنطقة
الشرقية كل ذلك أفادته فائدة على العلم معرفة أحوال المسلمين والجاهلية
التي عمت وطمت، وأخيراً قرر الشاب العودة إلى بلده للعمل فرجع فبدأ حياته
العلمية في بلده حروملة ، ولكنه أوذي حتى ضاق من بعض السفهاء أن يفتكوا
به فخرج خائفاً يترقب وله أسوة بالأنبياء في ذلك خرج إلى العينية مسقط
رأسه وأمير العينية رحب به والشيخ شرح له دعوته لأن هذه دعوة إسلامية
عامة تحتاج منك الصبر إذا أردت أن تؤازر هذه الدعوة لا بد أن تؤذى هل
تصبر ؟ قال الأمير : إنه يصبر ، وفعلاً صبر معه وغير كثيراً من المنكرات
أزال كثيراً من الأشجار التي كانت تُعبد أراد الله أن تقدمت امرأة ارتكبت
فاحشة الزنا فطلبت التطهير واعترفت وأصرت على الاعتراف فأقام عليها
الشيخ الحد من هنا ذاع صيته وانتشر خبره في المنطقة واستنكر أُمراء
المنطقة هذا التصرف فكانوا يسمونه المطوع ، ويقولون هذا المطوع جاء بأمر
جديد ، وكان من أشدهم أمير الإحساء هددوا على أمير العينية إن لم يخرج من
بلده هذا المطوع فإنه سوف يحصل كذا وكذا فخرج وتوجه إلى الدرعية فنزل
الشيخ في بيت أبن سلويلم في الدرعية وعلم محمد بن سعود وصوله ولما علم
أخذ بعض أصحابه فذهب إلى بيت أبن سويلم ولم يدعه إلى منزله فزارة وتعرف
عليه وهدى الله الأسرة وطلبت الأسرة رجالاً ونساءاً من الإمام محمد بن
سعود أن يؤازر هذا الرجل وأن تبنى هذه الدعوة فاليعتبرها نعمة سيقت إليه
وفعلاً آزر وأعلن مؤازرته للدعوة والشيخ نصحه وبين له كما بين لأمير
العينية صعوبة هذه الدعوة أنها دعوة عامة لا تترك شيئاً من الجاهليات لا
في العقيدة ولا في الأحكام تجديد عام للدعوة المحمديه واستعد الأمير محمد
بن سعود لمؤازرة الدعوة وتعاهدا عن القيام بالعمل الجاد في الدعوة فصارت
الدرعية عاصمة للدعوة يهاجر إليها طلاب العلم للعلم وللتعبد هناك قرب
الشيخ وانطلقت الدعوة من هناك وبدأ الشيخ يكتب إلى الأمراء في جميع
الأقطار يشرح موقفه من الأئمة الأربعة وموقفه من الصحابة وموقفه من نصوص
الصفات وموقفه في باب التوسل وهكذا بدأت الدعوة وأستمرت إلى أن وصلت إلى
هذه المدينة النبوية وعمت الجزيرة ولكن الدعايات لا تزال تنتشر في الآفاق
هناك مذهب خامس هناك الوهابية هناك وهناك فصار العمل هو الرد وأُلفت
الكتب ضد هذه الدعوة وأنتشرت في العالم فعرف أكثر الناس هذه الدعوة على
غير حقيقتها وأنها دعوة مناؤة للأئمة الأربعة والأولياء وأنها لا تحترم
رسول الله r
والصحابة وهكذا إلى غير ذلك من الدعايات التي أخذت تتبخر شيئاً فشيئاً
إلى أن في مثل هذا الوقت وانتشرت الدعوة ووصلت إلى إفريقيا توجد الآن هناك
مدارس كثيرة تدرس نفس المنهج المقرر في المدارس السعودية في المرحلة
الابتدائية والمتوسطة والثانوية وانتشرت في القارة الهندية وانتشرت في
الدول العربية إلى أن خرجت من الديار الإسلامية وفتحت لها أبواباً في نفوس
الناس وفي صدور الناس من أوروبا وأمريكا وانتشرت وعمت لذلك جميع الحركات
حول هذه الدعوة وضد هذه الدعوة إنما هي حركة الشاة المذبوحة تتحرك لتموت
لا لتحيى والدعوة ماشية بحمد الله تعالى وننصح بدراسة العقيدة والأحكام
وفروع اللغة العربية وعلوم الحديث وعلوم القرآن وكل علم نافع يكون
مساعداً لفهم الكتاب والسنة وطلب العلم نوع من الجهاد وأنتم في جهاد
طالما تطلبون العلم ، والعلم قبل القول والعمل .
مقتبس من مقدمة شرح الثلاثة أصول للشيخ رحمه الله رحمة واسعة ورفع قدره في جنات النعيم.